تسوية الأراضي في القدس الشرقية
مصلحة للمقدسيين أم مؤامرة على أملاكهم ؟
مصلحة للمقدسيين أم مؤامرة على أملاكهم ؟
بتاريخ 13/5/2018 أصدر مجلس الوزراء الإسرائيلي – برئاسة بنامين نتنياهو آنذاك – قراره رقم (3790) تحت عنوان "تقليل الفوارق الإجتماعية والإقتصادية والتطوير الإقتصادي في شرقي القدس". بحسب القرار المذكور رصدت الحكومة مبلغ 50 مليون شيكل من أجل تسوية وتسجيل الأراضي في شرقي القدس.
وفقاً للقرار المذكور تهدف الحكومة إلى تسجيل ما لا يقل عن 50% من أراضي وعقارات شرقي القدس حتى نهاية سنة 2021 مـ، وإكمال التسوية والتسجيل كاملاً مع نهاية سنة 2025 مـ. وتنفيذاً لذلك تمّ تشكيل لجنة لمتابعة إنجاز المخطط المذكور، برئاسة مدير عام وزارة القضاء، وعضوية سلطة أراضي إسرائيل، والوصي العام وحارس أملاك الغائبين، وبلدية القدس وغيرها.
الواقع في مدينة القدس يُشير إلى أنّ حوالي 90% من أراضي شرقي القدس لم تتم أعمال التسوية فيها بتاتاً، سواء فترة الإنتداب البريطاني أو فترة الحكم الأردني بين السنوات 1948 و 1967 مـ، كما وجمّدت السلطات الإسرائيلية أعمال التسوية عموماً من سنة 1967 وحتى قرارها المذكور في سنة 2018 مـ.
قرار التسوية المذكور يُظهر أنّ من أهدافه تنظيم الأراضي والملكيات، تمهيداً لإمكانية حصول المقدسيين على تراخيص بناء رسمية، أو قروض من البنوك لغايات البناء والإسكان، ويكتسي القرار بحُلّة تجميلية واسعة من مخططات التمكين والتطوير الإقتصادي، والبنية التحتية والمواصلات والتعليم والصحة، إلا أنّه مع ذلك لا يخفى على عاقل ما يُبطنه ذلك القرار من أهداف لتعزيز الإستيطان والتهويد وبسط السيطرة والنفوذ على شرقيْ القدس والسكان.
إذ ما الذي يدفع الحكومة الإسرائيلية إلى إقرار مثل هذا المشروع والإنفاق الهائل من أجل "تقليل الفوارق الإجتماعية والإقتصادية" رغم أنّ هذه الفوارق ما هي إلا نتيجة من نتائج الإحتلال وإلتمييز العنصري والتهويد والإستيطان في القدس طيلة السنوات الماضية!! وما الذي يدفع الحكومة إلى السعي لإنجاز مهمة التسوية بسرعة صاروخية وبمدة لا تتجاوز سبع سنوات، في حين واحد وخمسون سنة ماضية لم تكن كافية لإقتراح مثل هذا المخطط.
في الحقيقة لا يمكن النظر إلى هذا القرار بمعزل عن الاعتراف الأمريكي بالقدس "الكاملة والموحدة" عاصمة لإسرائيل الذي أعلنه الرئيس الأمريكي ترامب بتاريخ 6/12/2017 مـ، خلافاً للقرارات الدولية المتعاقبة التي أكدت أنّ القدس الشرقية إقليم محتل منذ سنة 1967 وأنّه يُحظر على الإحتلال عمل تغيير قانوني أو إداري فيها، علماً أنّ هذا المشروع هو عين التغيير القانوني والإداري المحظور، وبذلك يظهر أنّ السلطات الإسرائيلية تسابق الزمن في تهويد القدس وبسط السيطرة الكاملة عليها بعد ذلك الاعتراف.
السلطات الإسرائيلية تُركز في مشروعها المذكور على المناطق والأحياء التي تدعي وجود ملكيات تاريخية لليهود فيها، كحي إم هارون في الشيخ جراح، الذي تمّت أعمال التسوية فيه وانتهت، وسكان الحي الفلسطينين لا يدرون عنها! هذا المثال العملي يُظهر بوضوح أنّ الهدف هو تعزيز الاستيطان والتهويد، إضافة إلى وضع المقدسيين تحت طائلة المسائلة القانونية والضريبية بالنسبة للبيوع والمعاملات التي تمّت طيلة السنوات الماضية خارج دائرة التسجيل وسلطات الضريبة.
والأخطر من ذلك وضع حارس أملاك الغائبين في عضوية اللجنة التنفيذية للقرار، والتلويح بتطبيق قانون أملاك الغائبين في هذا الصدد، هذا القانون الجائر الذي يُشرّع غصب أملاك الغير باسم القانون. إذ لا يخفى على أحد أنّه لا يخلو بيت مقدسي من لاجئ أجبره الاحتلال ساعة الحرب على الخروج من القدس إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة أو خارج فلسطين، وكذلك لا يخلو من مغترب منعته السلطات من العودة لبيته وممتلكاته بعد احتلال القدس في حزيران 1967 مـ. هذا الأمر يُنذر بأكبر مخطط لسرقة الأراضي في القرن العشرين، لا لتقليل الفوارق الإجتماعية والاقتصادية كزعم القرار وواضعوه.
إنّ القدس مدينة دينية وتاريخية للعرب والمسلمين والمسيحين، وليست حكراً على اليهود، بما في ذلك الوضع الديموغرافي وتركيبة السكان وتوزيع الملكيات فيها، والأمر الذي يجب أن ينعقد الاجماع عليه أنّه لا يجوز للسلطات الإسرائيلية الانفراد في تقرير مصير المقدسيين – مسلمين ومسيحين – وممتلكاتهم وارثهم الديني والحضاري والتاريخي فيها، ناهيك عن أنّ هذا الأمر بحد ذاته انتهاك للقرارات الدولية كما تمّ بيانه. من جانب آخر يدّعي البعض أنّ مقاطعة التسوية قد تُمكن السلطات من تسجيل الاراضي باسم الدولة، أو قد يشكل باباً لضعاف النفوس والعملاء في العبث في الملكيات وتسجيل اسمائهم كمُلّاك لأراضي الغير.
في اعتقادي، إنّ بداية الحديث في هذا المحور هو بداية الانزلاق والسقوط الى المستنقع والهاوية، إذ من يهرب من تآمر ضعاف النفوس والعملاء والعابثين لن يهرب من قبضة حارس أملاك الغائبين، وبالتالي سيهرب "من الدلف إلى المزراب".
في نظري لا مناص من التحرك الدولي لوقف هذا المشروع المخالف للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وأنّ من حق المقدسيين والفلسطينين تنظيم وتسجيل وتسوية اراضيهم وممتلكاتهم من خلال مؤسساتهم الخاصة بعيداً عن سلطات الإحتلال.
بقلم المحامي المقدسي حمزة قطينة – 27/3/2022 مـ.
[Advhamz@gmail.com]